image

المقال التاسع | ماذا يحتاج الصانع السعودي | نبض السينما | هتان الدوسري

19 Jan , 2525 Hatan

 ماذا يحتاج الصانع السعودي 

خيال الصانع السينمائي لا حدود له. أحيانًا يشبه الحلم، لكن ليتحول هذا الحلم إلى حقيقة نراها على الشاشات، يحتاج الصانع إلى إمكانيات ضخمة حتى يتمكن من نقل رؤيته. في السعودية، أصبح هذا الحلم أقرب إلى الواقع مع التطورات الضخمة التي شهدها القطاع في السنوات الأخيرة، مما زاد من الإنتاج السينمائي السعودي وزاد من مشاركة السعودية في الفعاليات السينمائية العالمية. لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه: هل تقدم السعودية منتجًا سينمائيًا متكاملًا؟ هل توفرت الإمكانيات التي تمكن الصانع السعودي من تقديم حلمه ورؤيته؟ لكن أولًا، يجب أن نعرف من هو صانع الأفلام وماذا يحتاج؟


صانع الأفلام هو كل شخص صاحب رؤية فنية خلف أو أمام الكاميرا، سواء كان مخرجًا، مؤلفًا، مصورًا، أو ممثلًا. ومع اختلاف أدوار هؤلاء الصناع، إلا أنهم يتفقون على الإمكانيات المطلوبة. وليس بالضرورة أن تكون هذه الإمكانيات مادية فقط، بل يمكن أن تكون معنوية، مثل التعليم والتدريب المناسبين. فالتعليم والتدريب من الاحتياجات الأساسية لأي صانع أفلام، بل هما الأساس في صناعة السينما. ليكون هذا الصانع مؤهَّلًا لتقديم أفلام مميزة، يجب أن يتلقى التعليم والخبرة المناسبة، سواء من خلال العمل على مشاريع صغيرة أو الدراسة الأكاديمية.


مثلًا، المخرج مارتن سكورسيزي درس الإخراج السينمائي وتعلم أساسيات الحرفة في مدرسة تيش للفنون بجامعة نيويورك. وعلى نفس النهج، سار المخرج السعودي عبدالإله القرشي، الذي درس في نفس الجامعة. ولم يكن المثال الوحيد، بل المخرجة هيفاء المنصور أيضًا، التي درست السينما في جامعة سيدني بأستراليا. وهي نفس الجامعة التي تخرج منها بيتر وير، مخرج فيلم The Truman Show، وكذلك المخرج محمود صباغ الذي درس السينما في USC School of Cinematic Arts، وهي نفس المدرسة التي تخرج منها جورج لوكاس، مبتكر سلسلة Star Wars.

كل هذه الأمثلة تعكس اهتمام السعودية الدائم بأن يحصل صُنّاعها على أفضل تعليم، كما يعكس شغف الصانع السعودي بالاطلاع والتعلّم. وحتى المخرجين الذين لم تتح لهم فرصة الحصول على تعليم أكاديمي، اكتسبوا خبراتهم من خلال التدريب وصناعة الأفلام القصيرة.

على سبيل المثال، المخرج علي الكلثمي لم يدرس السينما أكاديميًا، لكنه بدأ مسيرته بإنتاج أفلام قصيرة ومسلسلات على يوتيوب، التي شكّلت أساس نجاحه في مجال الإنتاج السينمائي. كذلك المخرجة هند الفهاد، التي اكتسبت خبرتها من خلال العمل على مشاريع سينمائية صغيرة وشاركت من خلالها في مهرجانات محلية ودولية، كتجربتها في الفيلم القصير "بسطة"، التي أثبتت مكانتها كمخرجة.

وهذا نهج متعارف عليه لدى العديد من المخرجين العالميين مثل كونتين تارانتينو وكريستوفر نولان. فكلاهما لم يدرس السينما، إنما درس نولان الأدب الإنجليزي، ثم اكتسب خبرته من خلال تصوير أفلام قصيرة بشكل مستقل باستخدام كاميرات بسيطة وتجربة أساليب سرد غير تقليدية. كفيلمه الأول Following، الذي لم تتجاوز ميزانيته 6,000 دولار، أكسبه ثقة شركات الإنتاج والاستوديوهات الكبرى، ما ساعده على الانطلاق لصناعة مشاريع بميزانيات ضخمة، حتى وصلت ميزانية أحد أفلامه إلى 250 مليون دولار.

ومع اختلاف خبرات وخلفيات هؤلاء المخرجين، إلا أن جميعهم كانوا بحاجة إلى الثقة والدعم المادي المطلوب من جهات الإنتاج والاستوديوهات الكبرى، فالإنتاج السينمائي يتطلب ميزانيات ضخمة، ولهذا تحرص شركات الإنتاج على تسليم مشاريعها إلى صانع قادر على توجيهها بشكل صحيح. ولكن يجب أن تكون شركات الإنتاج ذات خبرة كافية لتتمكن من إدارة العملية الإنتاجية ووضع خطط التوزيع والتسويق.

وأعتقد أن هذه إحدى نقاط التميز في الصناعة السعودية، فهناك شركات رائدة في مجال الإنتاج والتوزيع السينمائي مثل ميراس للإنتاج الفني، تلفاز 11، AMC Cinemas، وMuvi Cinemas، بالإضافة إلى الاسم الأبرز في مجال الإنتاج وهو شركة روتانا، التي لعبت دورًا مهمًا في دعم الصناعة والصناع، بل وكان لها الريادة في إنتاج الأفلام السعودية بإنتاج فيلم "كيف الحال؟". ثم انطلقت الإنتاجات السعودية بعد ذلك، ومن أبرز الأمثلة على الإنتاج السينمائي السعودي الناجح فيلم "شمس المعارف" وفيلم "وجدة"، الذي حظي بحملة تسويقية قوية مكنته من الحصول على دعم شركات توزيع أوروبية مثل Sophie Dulac Distribution، ليُعرض عالميًا ويحصد العديد من الجوائز.

بجانب ذلك، وفرت الحكومة السعودية دعمًا هائلًا لقطاع السينما من خلال صندوق التنمية الثقافي وهيئة الأفلام السعودية، كجزء من رؤية 2030. ومن الأفلام التي استفادت من هذا الدعم: فيلم "حد الطار"، الذي فاز بجوائز في مهرجانات دولية، وفيلم "سيدة البحر"، الذي استفاد من برامج تدريبية وتمويل محلي، وحصد شهرة عالمية.

كل هذه الجهود جاءت لتسهيل الإنتاج السينمائي، ولتسهيل تنفيذ هذه الأفلام، ظهرت استوديوهات سعودية بمواصفات عالمية مثل استوديو نيوم الذي يُعد مركز إنتاج بمعايير حديثة، واستوديو الحصن الذي افتُتح حديثًا ويعد من أحدث الاستوديوهات في المملكة. فتُوفر هذه الاستوديوهات بيئة عمل احترافية، تشمل تجهيزات حديثة، استوديوهات تصوير متعددة، مرافق ما بعد الإنتاج مثل المونتاج وتصحيح الألوان، وتقنيات تصوير متطورة.

كل هذه الإمكانيات تدعم الصناعة حتى تصل الأفلام إلى دور العرض، التي تعتبر الوسيلة التي يتلقى من خلالها الجمهور هذه الأعمال. وقد شهد هذا القطاع تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، فتم افتتاح دور عرض متطورة مثل AMC Cinemas، Muvi Cinemas، Vox Cinemas، وRoxy Cinemas، كلها مزودة بتقنيات حديثة مثل IMAX، Dolby Atmos، و4DX، لتصل الأفلام إلى الجمهور بأعلى جودة ممكنة.

فكل هذه الإمكانيات والجهود، سواء الحكومية أو الفردية، تهدف لخدمة الجمهور وتقديم أفلام تتماشى مع احتياجاته وتشبع شغفه. فالجمهور السعودي هو الداعم الأول للسينما بشغفه وتعطشه للمزيد من الأفلام. وكل هؤلاء الصناع كانوا في الأساس مشاهدين تعلقوا بهذه الصناعة، فصار لدينا صناع شباب يحركهم الشغف، مثل الأخوين صهيب وفارس قدس، صُنَّاع "شمس المعارف". فهم يمثلون نماذج ملهمة للجيل الجديد من الصناع السعوديين، ويؤكدون أن السعودية الآن وفرت كافة الإمكانيات التي يحتاجها الصانع السعودي.

مع كل خطوة نخطوها في صناعة السينما السعودية، نثبت أن حلمنا لا حدود له. اليوم، نحن في قلب ثورة سينمائية تضع السعودية على الخريطة العالمية. وما زال الطريق أمامنا طويلًا، لكننا واثقون بأن الحلم أصبح أقرب من أي وقت مضى، واثقون في كل القائمين على هذا النشاط، وعلى رأسهم الملك محمد بن سلمان. وكلنا ثقة بأننا على الطريق الصحيح لنصل إلى حلم 2030.