image

المقال الثالث | مراحل تطور السيناريو | نبض السينما | هتان الدوسري

15 Sep , 2424 Hatan

صناعة الافلام عملية في غاية التعقيد، يشترك فيها العديد من  المبدعين والتقنيين، ولكل منهم دوره. وليحافظ الصناع على جودة المنتج النهائي، وجب عليهم وضع نظام دقيق ينظم هذه العملية، وهذا النظام هو السيناريو. ولكي يصل السيناريو لهذه المرحلة من الدقة، كان يجب أن يمر بمراحل عديدة من التطور على أيدي عددٍ من المبدعين، وعلى رأسهم توماس هاربر إينس.


تحدثنا في المقال السابق عن السيناريو، بدايته وتطوره، وكيف أنشأت هوليوود العديد من الاستوديوهات. لكن في البداية، لم يكن هناك نظام عمل واضح لهذه الاستوديوهات، ولم يكن هناك اهتمام بتطوير السيناريو، حتى جاء "والد الغرب" توماس هاربر إينس. لم يضع إينس نظامًا للسيناريو فقط، إنما أحدث ثورة في الصناعة بشكل عام، فهو صاحب أول أستوديو بالمفهوم الذي نعرفه الآن. فقد وفر بداخله العديد من أماكن التصوير، ووضع نظامًا عامًا للصناعة. وتم الاتفاق بينه وبين الاستوديوهات الأخرى على شكل محدد للسيناريو وطريقة كتابته. واستمر هذا النظام لعقودٍ طويلة، لكن على الرغم من نجاح هذا النظام، إلا أن تكلفته كانت مرتفعة جدًا. ولم تشكل هذه مشكلة بالنسبة لهوليوود، لأنها تعرف كيف تحصل على الربح، على عكس السينما الأوروبية.


أما السينما الأوروبية، فكانت تريد تقديم فنٍ يتماشى مع المدرسة الفرنسية، يعطي المخرج الحرية الإبداعية في تقديم سينما أقرب إلى الواقع وتعكس أسلوب المخرج وتوجهاته الفنية. لكن السينما الأوروبية لم تستطع أن تنافس إمكانيات هوليوود، خاصة لأنها لم تكن تهتم بالأرباح. لذلك لجأت للتصوير في الشوارع والأماكن الحية، مما أعطى العمل واقعية أكبر. لم يكن التغير اقتصاديًا فقط، إنما أضاف طابعًا جماليًا لهذه الأعمال. لكن كعادة أي نظام لديه قدر كبير من الحرية، يفتقد النظام. حيث انقسم المخرجون؛ البعض رأى أن المخرج يجب أن يكون كاتب سيناريو محترفًا ليحافظ على وظيفته كمؤلف، مما ساهم في تطور نموذج السيناريو الفرنسي بفضل دقة تفاصيله. بينما رأى البعض الآخر أنه لا حاجة للسيناريو على الإطلاق، مما أدى إلى حالة من الفوضى الإبداعية التي أثرت على تطور السيناريو.


كان هناك العديد من الجهود في مجال السيناريو، لكن كان يجب أن يكون هناك شخص واحد يجمع هذه الجهود. ويمكننا أن نقول إن سيد فيلد وجوزيف كامبل هما من جمعا كل هذه الجهود. فقد صنع فيلد الإطار العام للسيناريو وقدم كامبل تفاصيل القصة التي يحتوي عليها هذا الإطار، مستفيدين من إسهامات كل من سبقهم. لكن حتى هذا النموذج لم يخلُ من التعديلات مثل ما قدمته "ليندا سيغر". فقدمت حلًا لإحدى أهم مشاكل الكتّاب؛ فبعد أن تصل إلى الفكرة وتصيغها في قصة وتضعها في قالب سيد فيلد، قد يكون النص غير جيد بشكل كافٍ. لهذا قدمت ليندا في كتابها "Making a Good Script Great" رؤى جديدة حول كيفية تحسين القصص، حيث تشرح فيه كيفية بناء قصةٍ قوية وتحليل كل شخصية. فالسيناريو لديها ليس مجرد كلمات على ورق، إنما هو قلب الفيلم النابض. ومن خلال تحليلها، ساعدت كتّاب السيناريو في تحويل أفكارهم إلى نصوص ذات عمق درامي أكبر وشخصيات أكثر واقعية، وهو ما نجده في الكثير من الأعمال التي تأثرت بأفكارها.


ثم جاءت بعد ذلك الكاتبة والمخرجة الشهيرة "نورا إيفرون" التي اهتمت بالحوار بشكل كبير. فكانت أفلامها هي المرجع لكل من يريد أن يقدم حوارات قوية تعبر عن كل شخصية وتبني لها عمقًا دراميًا. اهتمت نورا بتقديم حوارات تعكس واقع الشخصيات وتعزز الصراعات الداخلية بينهما. ويمكننا رؤية ذلك في أفلام مثل "When Harry Met Sally"، حيث يُعتبر الحوار المحرك الأساسي لتطور العلاقة بين الشخصيتين الرئيسيتين. أما روبرت ماكي فقد اهتم بالقصة وكيفية بناء قصة متماسكة. فقد رأى في كتابه "Story" أن القصة هي جوهر أي سيناريو قوي، وهي السبب الرئيسي لتقديم تجربة سينمائية يتفاعل معها الجمهور وتبقى في ذاكرته. أعمال ماكي تعتبر مرجعًا لمن يريد التركيز على أهمية القصة كعنصر أساسي للسيناريو، حيث أن بناء القصة بشكل محكم هو ما يخلق التجربة السينمائية الممتعة والمثيرة للمشاعر.


في بعض السيناريوهات، يتم الدمج بين الواقع والخيال. لكن ليتم ذلك بشكل منظم، يجب أن تسير هذه العملية وفق نظام. ويُعتبر ويليام جولدمان أحد أعمدة هذا النوع من السيناريوهات، فقد كان لديه قدرة كبيرة على مزج الخيال بالواقع والحب والمغامرة، مثل فيلمه The Princess Bride، الذي يعرض قصة خيالية مليئة بالمغامرات والرومانسية مع لحظات من السخرية والواقعية التي جعلت الفيلم يتخطى حدود النوع التقليدي ويصبح تجربة عميقة مليئة بالمشاعر. ثم جاء آلان جيه ليرنر الذي طوّر نص السيناريو الغنائي، فقد دمج الأغاني مع السرد الدرامي. فكانت الأغاني تُستخدم لتعميق فهم الشخصيات وتطوير الحبكة بشكل متكامل. على سبيل المثال، في My Fair Lady، تساعد الأغاني في تطور العلاقة بين الشخصيات الرئيسية وتعكس مشاعرهم. استخدم تود فيليبس هذا الأسلوب أيضًا في فيلمه الجديد "Joker: Folie à Deux"، حيث دمج الموسيقى في السرد لخلق أجواء تعكس المشاعر الداخلية المعقدة للشخصيات وتعمّق تفاعل الجمهور مع تطورات القصة.